big-img-news
بواسطةMada Admin | 28 نوفمبر 2025

عنوان: إصدار جديد لمدى الكرمل: "فلسطينيّو 48 وحرب الإبادة على غزّة: مساءلة الصمت والفاعليّة السياسيّة". (تشرين الثاني 2025).

عشيّة المؤتمر السنويّ لعام 2025، يصدر مدى الكرمل- المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة، كتابًا جديدًا من تحرير همّت زعبي وعرين هوّاري بعنوان "فلسطينيّو 48 وحرب الإبادة على غزّة: مساءلة الصمت والفاعليّة السياسيّة"، وهو ثمرة مؤتمر مدى الكرمل السنويّ لعام 2024 الذي عُقد بعد أشهر من اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزّة. يأتي الكتاب في لحظة محوريّة تكرّس فيها الخوف وساد فيها الصمت وبرز الفعل السياسيّ، تحديدًا من خلال غيابه.

لم تكن الحرب حدثًا معزولًا عن فلسطينيي 48، بل مرآةً كشفت هشاشة البنْية التي قامت عليها مواطَنتهم، وحدود ما يسمّى بالاندماج، وعمق العنف الكامن في بنْية الدولة الاستعماريّة نفسها. وبينما تَظهر لحظة غزّة كلحظة تَشِي ببدايات تحوُّل معرفيّ وسياسيّ وفكريّ عالميًّا، كشفت هذه اللحظة عن أزمة مفاهيميّة عميقة داخل الخطّ الأخضر: المواطَنة والبقاء والخصوصيّة والفاعليّة السياسيّة- وهي مفاهيم شكّلت طَوال عقود إطارَ الفعل الفلسطينيّ في الداخل، لكنّها اليوم تواجه اختبارًا وجوديًّا. كما كشفت محدوديّة الاستجابة السياسيّة والفكرية في الداخل في مقاربة أسئلة الموقع والعلاقة مع إسرائيل ومع القضيّة الفلسطينيّة، وفي مساءلة دور الداخل ومسؤوليّته تجاه شعبه في ظلّ الإبادة والتهجير. 

يسعى الكتاب، الذي يقدّم مجموعة واسعة من المقالات والدراسات التي تقارب لحظة غزّة من زوايا سياسيّة ونفسيّة وثقافيّة وفلسفيّة، إلى تقديم تشخيص لأثر الحرب على غزّة على فلسطينيّي 48 وعلى فاعليّتهم السياسيّة أو غيابها. وهو محاولة لوصف الانكفاء والانخراط لا كموقفَيْن متقابلَيْن، بل كـساحتَيْن متداخلتَيْن في صراع الوعي والسياسة: بين الخوف والغضب، بين الصمت والرغبة في الفعل، بين إعادةِ إنتاج شروط الإخضاع والبحثِ عن أفق سياسيّ جديد.

يبدأ الباب الأول من الكتاب بشهادة من قلب غزّة للأكاديميّة والباحثة الغزيّة د. إلهام شمالي، تليها قراءة نقديّة لبنية الخوف والصمت لدى فلسطينيّي الداخل يقدّمها د. مهنّد مصطفى، المدير الأكاديميّ لبرنامج "دعم طلبة الدراسات العليا" في مدى الكرمل.

يفتتح الباب الثاني من الكتاب تحليلٌ ميداني قائم على استطلاع رأي أعدّه مدى الكرمل، حيث تكشف الورقة التي يقدمها د. امطانس شحادة مدير برنامج "دراسات عن إسرائيل" في مدى الكرمل، عن مجتمع يعيش تداخلًا بين الرفض الأخلاقيّ للإبادة والخوف الوجوديّ من الدولة، وعن وعيٍ سياسيّ مأزوم يحاول التوفيق بين التضامن والنجاة. ويقدّم حبيب مخّول، باحث في مدى الكرمل، مقاربة نفسيّة-اجتماعيّة للبنْية العميقة التي تُنتِج الصمت، من خلال قراءةٍ فكريّة حادّة تُسائل موقع فلسطينيّي الداخل بين الغضب والخوف، بين غزّة والناصرة، بين المقهور والمستعمِر. تختتم باب المقالات مقالة للناشط الطلّابيّ يوسف طه تُوثِّق الملاحَقة الواسعة للحركة الطلّابيّة الفلسطينيّة في مناطق 48، وتُقدِّم تفاصيل دقيقة عن لجان الطاعة، والفصل، والتحريض البرلمانّي والإعلاميّ، وتُظهر كيف تحوّلت الجامعات إلى ثكنات أَمنيّة، وأدوات لضبط الوعي السياسيّ للشباب.

في باب الدراسات المحكّمة يناقش محمّد عوّاد، المحامي والناشط السياسيّ، في مقالة فلسفية المواطَنة الفلسطينيّة في إسرائيل عبر مفاهيم السيادة والاستثناء من منظور شميت وأﭼـامبين، ويحاجج وَفْق هذا المنظور بأن الحرب على غزّة لم تكن حدثًا استثنائيًّا في منطق الدولة، بل كانت تكثيفًا لمنطقها الدائم: إنتاج الفلسطينيّ، في كلّ موقع، على أنّه عدوّ وأن المواطَنة الفلسطينيّة في إسرائيل لا تُفهَم كعَقْد مدنيّ بل كنظام استثناء دائم. بينما تعرض حنين زعبي، الناشطة السياسيّة والعضو السابق في الكنيست عن التجمُّع الوطنيّ الديمقراطيّ، قراءة نقديّة لثنائيّة الالتحام والانفصال في خطاب الفلسطينيّين في الداخل بعد السابع من أكتوبر 2023، وتقترح قراءة معرفيّة سياسيّة للحظته بوصفها حدثًا كاشفًا يعيد ترتيب علاقة الفلسطينيّين في الداخل مع دولة إسرائيل ومع ذواتهم السياسيّة.

يقدّم جاد قعدان، طالب دكتوراة في العلوم الثقافيّة واللسانيّات، تحليلًا ثقافيًّا للنصوص المنشورة حول الإبادة في قطاع غزّة في مجلّة "فسحة"- منصّة ثقافيّة فلسطينيّة، ما بين تشرين الأول 2023 ونيسان 2024، ليبيّن أنّ الثقافة الفلسطينيّة لم تكن مجرَّد انعكاس للحدث، بل تحوّلت إلى موقع لممارسة الحياة في وجه الموت، لتصبح الكتابة نفسها طقس دفن رمزيّ واستعادة للكرامة، وكذلك مجالًا لتوثيق زمن الإبادة الممزّق. وتتناول غادة مجادلة، باحثة في مجال التقاطع بين الصحّة والسياسة، في دراسة أعدّتها لمدى الكرمل بعد انعقاد المؤتمر، وضع فلسطينيّي 48، وعلى وجه التحديد الأطبّاء الفلسطينيّون في المستشفيات الإسرائيليّة، من منظور سوسيولوجي، وتبيّن فيها كيف تحوَّل النظام الصحّيّ الإسرائيلي إلى حيّز ضبط سياسيّ وأمنيّ.

رغم شدّة القمع وعمق سياسات الإخضاع، لا تغيب في مقالات هذا الكتاب محاولاتُ فلسطينيّي 48 مقاومةَ هذه البنْية، وإن بأشكال متواضعة ومحدودة. يدعو الكتاب إلى مراجعة سياسيّة وفكريّة جادّة لموقع فلسطينيّي 48 في ظلّ مشروع الاستعمار المستمرّ وكذلك مراجعة سياسيّة وأخلاقيّة لدَوْرهم كفلسطينيّين، تجاه شعبهم، في ظلّ الإبادة. فحرب الإبادة لم تُنتِج أزمة في الفعل السياسيّ فحسب، بل إنّها كذلك كشفت عمق التصدُّع في أدوات فَهْمنا للسياسة نفسها.

 

سيُتاح الكتاب غدًا للاقتناء خلال المؤتمر السنويّ المُنعقد في فندق رمادا- أوليڤييه (الناصرة)

الاكثر قراءة